وأضيف
أن الحضارة المصرية القديمة هى حضارة علم وفكر وفن وقبل كل شىء حضارة عقيدة..، ولذا فلن تجدى من بين آثارها حتى الآن قصراً واحداً لملكاً أياً كان هذا الملك..إلا ربما فيما ندر وليس بحال المعبد ذى الحجارة الصلبة حيث بيت الإله/ فستجدين أن آثارها فى الأغلب الأعم هى معابد ودور علم حيث كان المعبد هو نفسه مكان العلم.
فهى إذاً لم تضيع ولم تهدر القيمة الإنسانية..، فمثلما بنى بيت الإنسان البسيط من الطين والطوب اللبن ..كذلك كان قصر الملك.، وخطأً يا سيدتى من يعتقد أن الأهرامات قد بنيت من أجل دفن الملك.. فالهرم الأكبر ما هو فى حقيقة أمره إلا تجميعاً لعلم آلاف من السنوات ومرصد فلكى فريد من نوعه..، وتكمن فى رمزيته العديد من أسرار الخلق للإنسان والكون من حوله..ولقد آمن المصرى البسيط بأهمية بناء هذا المعمار الفذ ولم يكن ذلك لأنه عبداً..، فتعى وزورى آخر المقابر التى اكتشفت لعمال البناء بجوار الأهرامات لتعرفين أنهم قد عوملوا بأدب واحترام وتوفرت لهم سبل العلاج والحياة الكريمة وفى النهاية كرموا بدفنهم بجوار عملهم العظيم الذى لم ينسب إلى شخص محدد كما أسميناه نحن المحدثين هرم خوفو، فهو الهرم الأكبر وحسب (بن بن).
أما الحضارة الإسلامية فليس كل من تغنى بالحضارات القديمة لا يعترف بقيمة الحضارة الإسلامية..، والتى باختصار لم تحذف بتراث الأقدمين لما يشيبه من وثنية وما إلى ذلك..، وإنما كانت عبقرتها فى الإستناد إلى جذور العلم فى هذه الحضارات شرقاً وغرباً ثم أضافت إليه الكثير.
ليس من العيب أوغير المحبب أن نحّن إلى الماضى ونشيد بإيجابياته ونتعلم منه..، وأكرر نتعلم منه..، بالضبط كما لا يزال الغرب المتقدم يتعلم منه..، فمن أولى الغرب أم نحن أبناء تلك الحضارات العظيمة؟
و لقد زرت مصر و شاهدت مدافن الملوك ـ مقبرة توت غنخ آمون نموذجا ـ زخارف و نقوش و أعمال حفر و اقتضت الاشتغال من العمال عشرات السنين كما فسر الدليل السياحي،ثم هي ثروات و كنوز ابتزت من الشعب و حرم منها و جمعت لتحشر مع الأجساد ميتة و أنفق عليها هي أيضا الكثير من الجهد و المال من أجل تحنيطها…
فأين العدل و أين المساواة؟؟؟
ثم أو يمكن ان يصدق أن العامل البسيط يمكن ان يجد المتعة في بناء مقبرة فخمة للحاكم و يرى ما فيها من أبهة و هو الذي يسكن في الكوخ…لربما يمكن أن يفعل لكن بعد أن يوهم بأن “الإله” الملك مرة أخرى يقتضي منه ذلك و إلا فهو المحروم حتى من نعيم الآخرة إن رفض الانصياع…
استعباد للأجساد و حتى للأرواح و للنفوس ما كان سائدا آنذاك…و لا أعتقد أن المنطق يمكن أن يسمح بتفهم ما كانوا عليه من انحراف في التعامل مع البشر،إذ هي طبقية مقيتة كانت و بنيت على مفاهيم دينية استحدثوها من أجل إتقان استغلال العباد.
و تحيتي لك و خالص مودت
أنه عبر التاريخ لم ولن يكون هناك مجتمع طويل الأمد من حيث الزمن دون طبقية، وبالرغم من ذلك فيما تمقتينه فى طبقية المجتمع التى كانت موجودة فى الحضارة المصرية القديمة، فهذا لا يمنع من أن نتعلم من إيجابياتها، فلو كرهنا الطبقية والليبرالية والفاشية والدكتاتورية إلخ…فهذا لا يعنى أننا سوف نتجاهل تقدماً ولو كان متواضعاً فى مجتمعات قد مارست هذه السياسات..، إننا نتحدث الآن عبر تكنولوجيا صنعها الغرب ومع ذلك نكره ما فعله هذا الغرب بنا وبجيراننا..، فهل يعنى هذا أن نتجاهل هذه التكنولوجيا ولا ندرسها ولا نعيرها اهتماماً لأننا نكره في مبتكريها شيئاً أو أشياءً.
هؤلاء الأجداد هم تراثنا وتاريخنا لو لم يكن ما قدموه إلى العصور الوسيطة لما كنا ننعم بتكنولوجيا العصور الحديثة..، وأخيراً فإننا فى العصور الحديثة لا يمكننا أبداً أن نحكم على فلسفة مجتمعات غابرة إلا إذا درسناها جيداً وحاولنا الرجوع بعقلياتنا إلى زمنها..، كما يحاول (مرة أخرى) الغرب المتقدم أن يفعل،، وبالمناسبة أن هذا الغرب لم يلعن حضاراته القديمة لما بها من وحشية وحروب طاحنة وعبودية صريحة تجلت فى الكولوسيوم وغيره..، ولكنه وضعها فى المعيار الذى تستحقه وتشرف بها بالرغم من عيوبها، بل واستفاد من إيجابياتها وإنجازاتها، فالفرنسى والبريطانى والأسبانى لم يقولوا لسنا روماناً ولكنهم نسبوا أنفسهم للرومان من حيث التراث والحضارة .
ومرة أخرى أشكرك وأرجو أن أكون قد أوضحت بعضاً مما يدفعنى للإهتمام بحضارة أجدادى العظيمة.
إننا نتحدث الآن عبر تكنولوجيا صنعها الغرب ومع ذلك نكره ما فعله هذا الغرب بنا وبجيراننا..، فهل يعنى هذا أن نتجاهل هذه التكنولوجيا ولا ندرسها ولا نعيرها اهتماماً لأننا نكره في مبتكريها شيئاً أو أشياءً….”.
أعتقد أن على المرء أن يكون انتقائيا و يمارس الوعي حين الحكم على كل الأشياء،فليس من أشياء خيرة كلها و لا تستحق إلا التقديس، و ليس من أحرى كامنة الشرور فيها و لا يمكن أن نقابلها إلا بالرفض و بالامتهان.
فكل ما هو علوم بحتة و تكنولوجيا و لا علاقة لها بالهوية هي من قبيل المشترك بين الإنسانية و يمكن اقتباسه و البناء عليه،لكن كل ما هو خاص و متعلق بأبعاد الذات و بالقناعات الفكرية لا يمكن تسوله و لا استيراده.
و لعل الغرب ما فعل غير هذا حين تعامل مع التراث الحضاري الإسلامي في العصور الزاهرة،أخذ نتائج التقدم البشري في الطب و الكيمياء و في الفيزياء و غيرها من العلوم البحتة و جعلها الأساس صف عليه لبنات بناءه النهضوي،لكنه ما اقتبس من المسلمين عقيدة و لا فكرا و لا طرائق عيش متحت من الفكر و الدين.
اقتباس:
“…هؤلاء الأجداد هم تراثنا وتاريخنا لو لم يكن ما قدموه إلى العصور الوسيطة لما كنا ننعم بتكنولوجيا العصور الحديثة..، وأخيراً فإننا فى العصور الحديثة لا يمكننا أبداً أن نحكم على فلسفة مجتمعات غابرة إلا إذا درسناها جيداً وحاولنا الرجوع بعقلياتنا إلى زمنها..، كما يحاول (مرة أخرى) الغرب المتقدم أن يفعل،، …”
لا شك أن العلاقة العاطفية مع الأجداد لا يمكن إلا أن تؤثر في الفكر لدى الإنسان و يعمل لا شعوريا على تقديسهم،لكن المنطق يدعو إلى التخلص من الأفكار المسبقة و إلى التخلي عن الأحكام العاطفية و إلى النحو تجاه البحث الدقيق و المتأني بين ثنيات التراث المُوَرَّث لنا من قبل أولائك الأجداد،فإن كان موافقا لما نحن عليه الآن من توجه و من تصور للحياة و الكون قبلناه، و إن كان المخالف و المضاد حتى ،فليس من حاجة إليه و لا إلى تقديسه و تمجيده.
و مما لاشك فيه أن الكثير مما كان في “الحضارة” المصرية القديمة هو من قبيل الترهات و الأساطير التي استخدمت من قبل المُسيطِرين من أجل تدجين المُسيطََر عليهم…آلهة مبتكرة و قصص خرافية حولهم و كان الكهان يتبارون في إنشاءها و من ثم تعليمها للعوام و فرضها عليهم على أنها الدين من أجل حسن ابتزاهم و تسخير قدراتهم و طاقاتهم للحكام الذين ما تورعوا حتى عن ادعاء الألوهية إمعانا في تحقير الشعب و في إذلاله و في إحكام أغلال العبودية حول رقبته!!!
و لذا فمن المقبول أن نشيد بالخطط الهندسية التي بنيت بها الأهرام و المقابر الملكية الفرعونية،لكن علينا و نحن نفعل أن نشجب تسخير كل تلك الطاقات الفكرية و الجسدية من أجل بناء قبور لطغاة لم و لن تنفعهم كموتى أبدا!!!
و لقد ذهلت و أنا في زيارة مصر من كون الدليل الدكتور في الآثارـ و هو يحكي لنا عن الأساطير و الحكايات حول “الآلهة” في القرية الفرعونية ـ كان متأثرا و يسرد بطريقة من يحكي أخبارا تاريخية موثوقا بها ،ثم و لم يشر نهائيا لا من قريب و لا من بعيد إلى كون ما يحكيه مجرد الخرافات و النتاج من فكر الكهان المنافقين الأفاكين لا غير .
اقتباس:
“…وبالمناسبة أن هذا الغرب لم يلعن حضاراته القديمة لما بها من وحشية وحروب طاحنة وعبودية صريحة تجلت فى الكولوسيوم وغيره..، ولكنه وضعها فى المعيار الذى تستحقه وتشرف بها بالرغم من عيوبها، بل واستفاد من إيجابياتها وإنجازاتها، فالفرنسى والبريطانى والأسبانى لم يقولوا لسنا روماناً ولكنهم نسبوا أنفسهم للرومان من حيث التراث والحضارة …”.
ثم ما لنا و ما الغرب؟؟؟
أو لا يمكننا أن نقوم بغير ما يحبذ و يرضى عنه؟؟؟
لنا خصوصياتنا الآن و تجعلنا غير المتلائمين مع ما كانت عليه “الحضارات” القديمة التي كانت سائدة عندنا، و لعل الغرب ما زال السائر في نفس النهج الفكري الذي كان المتبع حين عصور اليونان و الرومان،فإن قيل بأن الغرب أصبح الآن المسيحي و كان الرومان و الإغريق وثنيين،أقول بأن المسيحية كدين في الغرب ما هي إلا السجينة في الكنائس في الأغلب الساحق و لا تطبع من الناس الفكر قدر ما تفعله الفلسفات الحديثة التي انبنت على الفكر الإغريقي الروماني القديم.
الدكتورة المتألقة زينب نور
ممتنة حد اللانهاية للتجاوب فعال هادف منك
و لكم كل تقديري
“…ومن ثم فقد ارتبط الشكل الهرمي ارتباطاً مباشراً لدى المصري القديم بسر الخليقة ونشأة الكون , ومخاطبة السماء وتقديس الشمس , وإلتحاق الفرعون بعد موته بالمملكة السماوية مع ( رع ) , وبالتالي أصبح الهرم عنده مبعثاً إلى الحياة الأبدية وليس مقبرة للجسد …”.
أعتقد أننا الآن كمسلمين لا نشك في أن فكرة كون الهرم مبعثا إلى حياة الأبدية محض هراء فقط ،و كانت من تآليف الكهان و من تلكم الاعتقادات الخرافية المبتكرة التي آمن بها المصريون القدماء.
إذ ها هم الكثير من الفراعنة قد أنهت جثثهم المحنطة مسيرتها في توابيت زجاجية يتفرج عليها الكل،و ذلك بعد أن اعتقدوا أنهم سيخلدون و سيحظون بحياة أخرى ببقائهم محفوظين داخل الأهرامات التي أنفقوا عليها حيوات و جهود الكثير من أبناء الشعب من أجل بناءها و تشييدها.
ثم ماذا سيكون قد استفاد الشعب من تلك الصروح الهائلة غير المتجانسة مع ما كان السائد آنذاك من بساطة الحياة؟؟؟
و ماذا استفاد حتى أولائك الملوك من تلكم التحضيرات للحياة الأخروية التي استهلكت العشرات من السنين؟؟؟
أما نقل كل ما حضروه إلى المتاحف و انتهى أمر كل اعتقاداتهم و انهارت كل احتياطاتهم من أجل حماية تلكم القبور حتى موعد البعث؟؟؟
هي الرغبة في نفي الموت و إبعاده ما جعل الطغاة يحتكرون حياة الناس من أجل تحقيق حياة بعد الموت…
فكل شيء جهز للحاكم الراحل من كنوز و ألبسة و حتى أطعمة من أجل تيسير بدء حياة أخرى، و أفراد الشعب لم يهنأوا حتى بحياتهم الوحيدة التي سخروا فيها من أجل جلب عظام الصخور و نحتها و رصها في زمن لم تكن فيه لا رافعات و لا معدات آلية تعين على العمل و تيسر القيام به.
أما ما يخص رفعة التقنيات المستعملة في البناء فقد كتبت حول هذه الفكرة ردا على د.زينب:
“…و لذا فمن المقبول أن نشيد بالخطط الهندسية التي بنيت بها الأهرام و المقابر الملكية الفرعونية،لكن علينا و نحن نفعل أن نشجب تسخير كل تلك الطاقات الفكرية و الجسدية من أجل بناء قبور لطغاة لم و لن تنفعهم كموتى أبدا!!!”
إذ حبذا لو أن تلك التقنيات استعملت في ما كان أعان على تيسير الحياة لكل طبقات الشعب عوض تعقيدها بالتكليف بما هو الشاق و حتى المهين!!!
و لك تحيتي و كثير احترامي
وشكرا
يارب الموضوع يعجبكم